سيومي خليل
المسرح
الفصل الأول
المشهد الأول
الظلام يسود المكان .أشياء المكان كلها سوداء .
الحركة تبتدئ بالظلام وتنتهي به .
من قلبه تخرج جذوة نور مشتعلة تتحرك ببطء.
الضوء الخفيف كنقطة إنفجار في هذا الظلام .. تبتلعه .
صوت يصاحب هذه الجذوة المشتعلة ، لكن السواد يضم صاحب الصوت .
صاحب الصوت : كأني في ليل جديد ( تتحرك الجذوة . وميض النور ذاك يخترق لوحة الليل السوداء ) كأني به لم يزل يوما ( يسمع صوت زفير . تنطفئ بعده الجذوة . يضاء ليل المكان )
نور هذه المرة .
المكان يكشف محتوياته ، لأن الظلام مات تاركا تركته .
في وسط المكان شمعة محمولة من صاحب الصوت .
كان الضوء السابق لهذه الشمعة .
الآن هي منطفئة ، لكن صاحب الصوت ما زال يحدق فيها .
صاحب الصوت لشمعة : أتعيرين الليل نورك كي يصبح نهارا ، أم ترى النهار سرقه منك ؟؟؟ أم أنهما واحد …؟؟؟ كما نحن جميعا ( تحرك جهة شمعدان نحاسي . وضع الشمعة المنطفئة عليه ) كأني حقا كنت نائما ، وها أنا أستيقظ (يتثاءب بشكل واضح . يتجه صوب تابوت خشبي في جانب المكان الأيمن .. يغلقه ) حري بالمرء أن يغلق دائما مكان نومه إذا تأخر الآخرون عن حمله . هل للأموات قهوة الصباح ( يتناول كوبا من على الطاولة . يرشف منه ) هل قهوتهم باردة هكذا ؟؟؟ ( تتنمل رعشة في كل جسده ) وحارة أيضا ( يضعه بسرعة ) لا أرى كتبا أومجلات ( ينادي . صوته جاف ) عبد .. عبد .. ( لا يدخل أحد ) يبدو أني ما زلت وحيدا . كلنا هكذا ؛ لقد خلقنا متفرقين ومتنا كذلك ( يتجه صوب التابوت . يفتحه . يخرج أوراقا وملفات ) على أوراقنا الشخصية أن ترافقنا دائما ، من يدري فربما نسوا من أكون ، ولا بأس بإنتاجاتنا الأدبية أيضا ( يقرأ من إحدى الورقات ) في الصبح وجدتني ميتا .. خرجت من تابوت ذهبي ( يرى جهة التابوت . يتناول قلما أحمر . يصحح شيئا ما على الورقة . يتمم القراءة ) خرجت من تابوت خشبي … كنت قد مت قبل الأوان … أو أنهم أرادوا لي ذلك. ( يتأفف ويمزق الورقة. يرميها ) لا أريد هراء هذا الصباح، فمن منا يموت ، نحن أموات بالفعل ،ولا داعي لكل هذه التوابيت ( يجوب المكان . يقف عند ساعة حائطية ) لا وقت هنا .. حتى هناك لم يكن عندي وقت ( يحمل الساعة الحائطية معه . يضعها في التابوت . يتمدد وسطه . يتذكر شيئا . يقوم ويبدأ بإزالة الشموع من الشمعدانات . يدخلها معه إلى التابوت ويغلقه عليه )
المشهد الثاني
تدخل فتاة حاملة إكليل ورد
الفتاة: ماذا يفعل ميت بكل هذه الورود ( تؤم جهة التابوت . تحركه بصعوبة من مكانه الأيمن إلى يسار المكان ) هنا أفضل ( تضع الورد عليه ) لا يستحقه ، فكيف يحبه وهو ميت ولم يحبه يوما وهو حي . أفضل أن أهديه إلى عشيقي بدل كل هذا الهراء ( تحمل الورد من على التابوت وتجلس مكانه . تحمل وردة حمراء وتبدأ في لعبة يحبني أو لا يحبني ) يحبني .. لا يحبني ( تمل وترمي الوردة بعيدا ) ماذا تراه يفعل هناك .. كان يهوى القراءة كثيرا ، هل هناك مكتبات وكتب ، هل بإمكانه أن يحضر ندوات شعر ؛ لم يجده يوما ولم يجده ، هرب منه ورهب ، فلم يمسك إلا ذيله وذله . قبل أن يموت إحتضرت القصيدة في يده ولم تحضر ثم إستغرق في نوم طويل . أين تراه الآن ينام ؟؟؟ في أي جهات المكان وأي تابوت ؟؟؟ . ربما لأنه كان ليبراليا متسامحا مع أكثر الإرهابيين عنفا فإنه سينام في أكثر الأماكن دفئا وأحسنها تابوتا ( تضرب على التابوت نغمة موسيقة جميلة .. تغني ) قولوا لقاتلتي أن التابوت يرفضني ( تقف فجأة . تجوب المكان بسرعة . تتحرك في حركة إندهاش . تحدق في السماء .. تصيح ) لقد رأيته . إنه يضحك ، يبتسم لي ، لقد أصبح له جناحان وعكاز من خيزران ، لحيته بيضاء ، يرتدي البياض ويقول شعره لذي لم يفهمه أحد ( تتعب . تسقط في حركة مسرحية راكعة أمام التابوت .. تظل هكذا . يخرج صاحب الصوت من التابوت . يتثاءب من جديد . يظلم المكان . يخرج الشموع معه يشعلها ويضعها في أماكنها السابقة) .
المشهد الثالث
صاحب الصوت : كأني بهم رأوا شيئا ، ربما شيخا في السماء يحمل أشياء وأسماء ( يضحك .. ويبدأ في البكاء ) لقد حلمت أن أكون بجناحين في السماء حاملا أشعاري ، ألاعب لحيتي البيضاء ( يضحك من جديد ) لكن يكفي أن قرائي المحنطين مثل التوابيت القديمة يحاولون القراءة والصياعة ( يتحرك نحو الورد المرمي قرب التابوت .. يحمله ) كيف بإمكان الورد والود أن يعيشا في زمن وغد ، لا تجدهما إلا قرب التوابيت . ماذا ينفع الميت ودا تأخر أو وردا تزين . ليس عليكم أن تبكوا أحدا كان عليكم أن تخرجوا قبلا من توابيتكم وثوابتكم. هناك المتغير والثابت هو التابوت فقط ( يتحدث بصوت مرتفع ) وأحلامكم الكابوسية وأفكاركم الشبقية ( يضحك . يرمي الورد داخل التابوت . يخرج الساعة الحائطية وهو ما زال يضحك . يرفعها أمام عينيه ) ماذا نفعل كل دقيقة …؟؟؟ هيا من يجيب … نعيش موتانا فقط ونعرف أشياء كي نقول أننا قد عشنا ؛ أنا مثلا أكتب ، لكني لا أستطيع أن أكون كاتبا ، من يدري فلو وجدت وظيفة عمومية لما فكرت في الرشوة كما أفكر فيها الآن ،ولما آلمتني المجازر التي تحصل في المكان ولا التوابيت التي نجهز لها كعروس جديدة ، لوكنت سياسيا وإكتشفت أن يدي قذرتين لما فكرت في شتيمة قذر ، ربما كان سارتر على خطأ فلم تكن أيديهم قذرة بقدر ما إكتشفوا أنهم مجرد توابيت ( يضحك بهستيريا . يتجه إلى المطبخ ويأتي بكوب حليب . يرفعه عاليا ) لنسكر … ليس المهم بما نسكر . المهم هو أن نسكر ، بالخمرة أو الكلمات .. القبل أو العملا ت الصرفية … لا يهم ( يشرب الحليب . يمثل دور سكران ) الويل لنا إن كنا أحياء أو أمواتا ، أرقاما أو أسماء أو مجرد … ( يشير إلى التابوت ) الويل لنا .. فلا جحيم إلا ما نصنعه لبعضنا . لقد رأيت المكانين ، والذي غادرت منه أهول من الذي ضمني . ليس هنا موت بالمجان ، لن تجد أشلاء لن تعرف أصحابها ، أما أن تفكر هل أنت أقصى اليمين أو اليسار أم أن حزبك … ( يضحك ) هراء .لا وقت كي نفكر . الكتب لا فائدة منها ، الجرائد ومجلات النجوم ، لا شيء يشغلك عن التأمل هنا ( يصمت .. يبدأ في البكاء . يرمي الكأس الذي مازال بيده ) لقد رأيت الموت فقط في المكان وشاهدت كيف تصنع التوابيت وتدق مساميرها وإزميلها الحاد . لم نكن في حاجة إليه .كنا نستدعيه ونستعيذ به من الحياة ( يضحك ملء شدقيه . يرسم في فراغ المكان الذي تضيئه تلك الشموع حركات سوريالية غير مفهومة ) أحببنا الموت ، فهنيئا لنا بهكذا حب . لم نرفضه في المكان ( يخفف من حدة صوته .. يتكلم بهمس ) ليس لأني لا أريد الموت في المكان أو أن يجوب الزمان ، لكن موتا كالذي كان ، كالذي أصبح ، ما كان عليه أن يكون ( يتجه إلى كرسي وسط المكان . يجلس عليه ) بإمكاني أن أجلس هكذا ، ثم أموت بكل هدوء ( يمثل دور ميت على الكرسي . ينهض بسرعة . يتحرك بسرعة ) لكننا كنا نموت في الأسواق مبعثري الأشلاء أو ذبحا أو غيلة أو تحت سقف بيوتنا وضفاف الإنتظار المميت ونحن نجتر أيامنا ( يمسك برأسه ويبدو كأنه يشرع في النحيب ) آه .. آه .. علينا اللعنة . نحن أول من إكتشف الموت ، ربما عرفنا به . كنا قبله ننتقل إلى ما وراء المنظور ، أما الآن فإننا نموت ولا نسمح إلا بالموت ( في خوف شديد) علي أن أغادر هذا المكان . أين هو التابوت ؟؟؟ (يستغرب ) التابوت يتحرك … لم يكن هنا ( يشير بإصبعه إلى اليمين والشمال ) من يريدني أن أكون من أهل الشمال ؟؟؟( يفكر ) لما عليه أن يكون دائما ممددا ( يقوم بإيقاف التابوت في ركن خفي من المكان . يطفئ الشموع . يحملها والساعة . يدخل التابوت الواقف. يضاء المكان وتظهر الفتاة في وضعها السابق )